يشهد عالمنا لا سيما المنطقة العربية صراعات مسلحة محتدمة، معظم ضحاياها من المدنيين الذي لا تتوافر لهم أدنى وسائل الحماية من الاستهداف بالقنابل والمتفجرات بمختلف أنواعها، ويتعرض الأطفال خصوصاً لخطورة مضاعفة أثناء وبعد القصف، كما شهدنا على مدار عام في حرب غزة المروعة، وفي لبنان وفي سوريا وفي السودان وغيرها... إلخ.
وحتى لا يظن بعض القراء خطأ من عنوان المقال أننا نحمل الأفراد المسئولية الأولى في إنقاذ أنفسهم من الانفجارات، فإننا نؤكد قطعياً أن حماية المدنيين من خطر الموت والإصابات الخطرة من جراء التفجيرات، هو في الأساس مسئولية المؤسسات الدولية والدول وأجهزتها الأمنية والمختصة، التي عليها واجب تجنيب المدنيين العزل الاستهداف، وتوفير ملاجئ محصنة لحمايتهم، ووسائل إنذار مبكر فعالة، وزيادة الوعي بكيفية التصرف في الأزمات والكوارث، وتدريب المجتمع على تنفيذ ذلك... إلخ. لكن للأسف الشديد، فكما نرى في أغلب الحروب المروعة الحالية، يكون على الفرد الأعزل التصرف، ومحاولة حماية نفسه ومحيطه، في غياب تام أو شبه تام لدور الكيانات الأكبر.
هناك أخطار عديدة تحيط بالمحصورين في منطقة قتال، لكن يظل للانفجارات بمختلف أنواعها ومصادرها خطورة خاصة، فمثلاً الاستهداف بالرصاص، يمكن للمعتاد على صوته تخمين الاتجاه الذي يطلق منه، والانبطاح أرضاً بعيداً عن مصدر النيران، لكن في حالة الانفجارات فإنه في بضعة أجزاء من الثانية قد يتعرض المرء لإصابات حرجة متزامنة، مثل الحروق والكسور وفقدان بعض أجزاء الجسم، ونزيف داخلي وتهتك للأعضاء الداخلية من جراء الموجات الارتدادية العنيفة التي يحدثها الانفجار، وجروح قطعية خطرة نتيجة شظايا الصواريخ والقنابل، التي قد تطير بسرعة كبيرة لمئات الأمتار خارج مدى الانفجار الأصلي. كذلك على مقربة من مركز الانفجار، تتولد دوامات من الضغط السلبي قادرة على سحب الأجسام بقوة كبيرة باتجاه هذا المركز.
كما قد يتعرض بعض ضحايا الانفجارات لا سيما في الأماكن المغلقة لخطر الاختناق ببعض الغازات السامة التي تنتج من احتراق المواد المتفجرة مثل أكسيدات النيتروجين.
مخطط مبسط للانفجارات، وما يصاحبها من موجة انفجارية، ومن تطاير للشظايا (المصدر)
لا ندعي أن ما سنفصله في السطور التالية كاف لنجاة جميع ضحايا الانفجارات، فمثلاً القريبين جداً من مركز الانفجار أو من يداهمهم قصف الطائرات وهم نائمون في بيوتهم... الخ، سيكون من الصعوبة بمكان إنقاذهم جميعاً من كل أو على الأقل بعض مضاعفات التعرض للانفجار التي ذكرناها في الفقرة السابقة، لكن سيستفيد مما نذكره كثيرون في الأماكن المحيطة بمنطقة الانفجار، الذين يمكنهم ببعض حسن التصرف وسرعة البديهة، تجنيب أنفسهم التعرض لإصابات خطرة وقاتلة.
1. البعد عن منطقة الخطر ما أمكن:
كما في كل شيء في حياتنا، فالوقاية خير من العلاج. إذا امتلك المدنيون رفاهية الانتقال إلى مناطق آمنة حقيقة (على عكس ما نرى في حرب غزة الحالية حيث لا شبر آمناً في القطاع) بعيدة عن خطر القصف والانفجارات، فهذا هو واجب الوقت. وإذا توافرت ملاجئ محصنة تحت الأرض فيجب اللوذ بها في أوقات القصف والغارات.
2. اللجوء إلى أقل الأماكن خطراً في البنايات السكنية:
التعليمات هنا للأسف لن تجدي مع جرائم الحرب العظمى مثل استخدام القنابل الخارقة للحصون والأساسات في مناطق سكنية، حيث تؤدي إلى احتراق وانهيار المباني بشكل كامل على من فيها، لكنها قد تفيد في تقليل خطورة الإصابات من انفجار القذائف الأقل فتكاً مثل قذائف المدفعية أو صواريخ طائرات الاستطلاع الصغيرة، أو شظاياها أو تطاير زجاج النوافذ والأبواب بفعل الموجات الانفجارية.
في هذا المقطع القصير، ينصح الدفاع المدني السوري عموماً بتجنب الطوابق العلوية في المباني، لا سيما في العمارات الأعلى من ثلاثة طوابق، وبالابتعاد ما أمكن عن الغرف المطلة على الشوارع وذات النوافذ، وألا تجلس أو تنام مباشرة في خط مستقيم مع باب أو نافذة حتى لا يتطاير مع الانفجار ويصيبك بشكل مباشر، والتخفف من المرايا الزجاجية واللوحات والبراويز المعلقة، التي يمكن أن تدفعها موجات الانفجار للتشظي وللتطاير محدثة إصابات. وإذا أمكن تدعيم النوافذ والأبواب بالأكياس المملوءة بالرمل، فهذا سيكون إضافة جيدة للآخر. ويجد أن تكون غرفة المبيت قريبة للغاية من السلم في حالة الاضطرار للفرار سريعاً من المنزل، ويفضل تجهيز حقيبة ظهر إلى جوارك مباشرة فيها أهم متعلقاتك وهوياتك لتكون بحوزتك عند المغادرة الفورية، فيجنبك هذا تعريض نفسك لخطر العدوة إلى المنزل بعد استهدافه للبحث عن الأشياء المهمة.
3. وضع خطة مسبقة للإخلاء:
الأجزاء من الثانية تمثل فارقاً بين الحياة والموت في تلك الأوقات العصيبة، ولذا فيجب الاستعداد جيداً على مستوى الأسرة، والجيران في نفس البناية، على خطة واضحة وسريعة لإخلاء البناية في حالة التعرض للقصف والانفجارات، وأن تتضمن الخطة مسارات واضحة للمغادرة، تمنع حدوث ارتباك قاتل أو تدافع خطر على الحياة.
هذا الجزء أكثر خطورة، إذ تندلع هرمونات التوتر (الأدرينالين مثلاً) في تلك الأحداث الضاغطة، وتقود الغرائز وردود الأفعال الحادة المشهد، وقد تسبب مزيداً من الضرر، ولذا فيجب أولاً وآخراً محاولة السيطرة على المشاعر والانفعالات قدر المستطاع، وعدم الاستسلام للهلع والجزع، حتى يكون بمقدورنا إحسان التصرف في هذه الأوقات الحرجة.
مدار الأمر هنا على ردود الأفعال السليمة، وعلى تجنيب أنفسنا الأخطار المختلفة، وهذه بعض النقاط السريعة الأساسية: